الخميس، أبريل ٢٦، ٢٠٠٧

قد اكون أخطأت الجزء الثاني

­­­مر الان اكثر من شهر وانا لا استطيع ان اذهب الى العمل وعقلي يكاد ينفجر من الافكار الكثيرة التي تعصف به وقد اصبحت انا كقارب صغير في وسط المحيط وقت العاصفة . وان ذهبت كنت اتحاشى النظر في عيون زميلاتي وزملائي او التحدث الى احد كنت فقط اؤدي عملي بغير تركيز وبصمت تام. قد لاحظ كل من حولي حزني الشديد واكتئابي حتى ان والدتي حاولت اقناعي بل اخذتني من يدي لزيارة مسجد السيدة زينب للصلاة والدعاء . لكنني ضحكت في نفسي وقررت ان اذهب الى طبيب نفسي اتحدث اليه عن مشكلتي عل الحديث يريحني بعض الشيء .وبعد فترة من التررد على عيادة الطبيب النفسي تحسنت حالتي بعض الشيء لكنها ما تزال سيئة وكان الطبيب قد اشار علي ان انتقل الى فرع اخر من فروع الشركة وابدأ هناك من جديد كي تتحسن حالتي نهائيا واستطيع العيش بصورة طبيعية وكنت قد وعدته بالتفكير في هذا الامر. *********************** وفي احد الايام قررت ان اتقدم بطلب لنقلي لفرع اخر من فروع الشركة ، وكان هذا اول ما فعلته بعد وصولي الشركة واثبات حضوري في هذا اليوم. ثم امضيت اليوم كغيره من الايام اعمل في صمت وفي موعد خروجي من العمل وجدته ...... لقد كان ينتظرني في سيارته امام السوبر ماركت الكبير الذي دائما ما اقوم بركن سيارتي امامه!!!! اكملت طريقي وكأنني لم اره لكنه خرج من سيارته وناداني احسست كان الارض تدور من حولي واني سأسقط فاقدة الوعي ، تمالكت نفسي بصعوبة وحاولت اخفاء الصراع الكبير الذي يعتمل في داخلي واستدرت نحوه لأجده كما كان لأجد عيناه تشعان باللهفة والحب والحنان كان اول ما دار داخلي ساعتها انه جاء الان ليفقدني عقلي نهائيا. فقلت ببرود شديد لم اعهده من نفسي سابقا : خير يا بشمهندس محمد ؟ في حاجة؟ فأجابني بسرعة وكأنه يريد ان يلحق قطارا قد تأخر على موعده كثيرا: خير ان شاء الله يا شذى انا هستناكي النهارده الساعة 8 في المطعم اللي اتقابلنا فيه قبل كده مع الجروب في موضوع مهم عايز اكلمك فيه . ثم ركب سيارته وانطلق مسرعا حتى لا يسمح لي بالاعتراض او حتى الموافقة . لا اعرف كيف وصلت الي المنزل سليمة في ظل كل تلك الافكار التي كانت تعتمل في رأسي ولم اكن قد اتخذت قرارا بالذهاب في الموعد من عدمه لكنني فجأة وفي تمام السادسة كنت في كامل اناقتي ومستعدة تماما للنزول من المنزل حين استوقفتني والدتي : على فين ياشذى ؟ فأجبت ببساطة لم اكن اتوقعها : خارجة مع اصحابي يا ماما وان شاء الله مش هتأخر واحتمال ما اقابلش اصحابي وأروح النادي. فودعتني ودعت لي بالسلامة والهداية. *********************** قدت سيارتي الى عيادة الطبيب النفسي وانا لم ازل في حيرة من امري هل اذهب اليه ام لا؟ انتظرت قليلا في العيادة قبل ان اقابل الطبيب واسرد له ما حدث اليوم واطلب منه النصيحة أأذهب ام لا ؟؟؟ وكان جوابه لي الا اذهب وان احاول ان انسى الامر وكأن شيئا لم يكن ولكني خرجت من عيادة الطبيب بعد ان اتخذت قراري بالذهاب . ************************* وصلت الى المكان المحدد في تمام الثامنة والنصف لاجده جالسا في انتظاري والقلق يكسو ملامحه حتى اذا رآني تهللت اساريره وابتسم ابتسامة واسعة قائلا وهو يجذب لي احد المقاعد لاجلس : كنت متاكد انك هتيجي . فقلت ببرود مفتعل لأخفي احراجي الشديد من هذا الموقف : ملقيتش حاجة اعملها فقولت اشوف الموضوع المهم اللي حضرتك عايز تكلمني فيه. اخبرني بأنه علم بطلب النقل الذي تقدمت به صباحا وقال ان ذلك افضل لي لانه قد لاحظ انني غير مستريحة في موقعي الحالي. فابتسمت ابتسامة صغيرة وقلت : وياترى حضرتك طلبت تقابلني النهاردة عشان تناقشني في صحة قراري من عدمه؟ فقال في تردد : لأ اكيد في موضوع تاني وقطع حديثه وصول النادل ليرى ماذا سنأخذ فطلبت عصير وطلب هو فنجالا من القهوة ، وبعد ذهاب النادل قلت بحدة نوعا ما : حضرتك ممكن تدخل في الموضوع بسرعة عشان انا اتأخرت. فقال وهو يحتضنني بعينيه : شذى.... انا بحبك واعتقد انك عارفة كدة بس كمان عارفة اني راجل متجوز وانا حاولت كتير ابعد عنك لكني مقدرتش وعشان كده فكرت اننا نتجوزكنت في خلال ذلك وكأني ارتدي قناعا فوق وجهي كي لا يستطيع معرفة ما يدور داخلي اثر استماعي اليه ثم اطرق برأسه وقال في سرعة شديدة : في السر عرفي يعني. لا استطيع ان اصف كمية الكره والغضب اللذين تولدا داخلي في هذة اللحظة كل ما استطعت ان افعله ان رفعت يدي وهويت بها على وجهه باقصى قوة استطيعها لأتركه خلفي مسرعة ودموعي تنهمر على خدودي انهمارا. لم استطيع الذهاب الى المنزل اخذت ادور في الشوارع كالتائهة الى ان وصلت الى عيادة الطبيب النفسي وطلبت لقاءه وكان ينتظرني. وبدأني الحديث قائلا : كنت عارف انك هتروحي تقابليه وترجعي منهارة ، اقعدي احكيلي اللي حصل بالتفصيل الممل . وبعد ان قصصت عليه كل ما حدث وكل كلمة قالها لي وكل تعبيرة من تعبيرات وجهه وهو يتحدث الي فاجأني الطبيب قائلا : قوليلي يا شذى لو كان محمد وقف كلام عند نتجوز وطلب منك تحددي ميعاد مع والدك وكده كنت هتوافقي؟؟؟؟؟ صمت طويلا وانا حائرة لا اعرف اجابة لسؤال الطبيب ثم قلت كأني اتحدث الي نفسي: معرفش .... اصلا بابا مش ممكن يوافق .... وبعدين انا معرفش ممكن استحمل اكون زوجة تانية ولا لأ؟...... وكمان مقدرش اتخيل انه يطلق مراته ويسيب ولاده عشان يتجوزني ....... وهو اللي يعمل كده مع مراته الاولانية مش ممكن يعمله معايا ؟؟؟؟؟؟؟؟ كتب لي الطبيب بعض الادوية وقال لي : انا عاوزك تاخدي الدوا ده وترتاحي في البيت يومين تلاتة. ********************* وبالفعل اخذت بنصيحة الطبيب لكني خلال الايام الثلاثة لم استطع النو ولو لدقيقة واحدة برغم امتناعي عن كل المنبهات وفي اليوم الرابع علمت من احدى زميلاتي بأن طلب النقل قد قبل على ان انفذه غدا اى انه لابد لي ان اذهب للعمل في الصباح. ذهبت لاستلم عملي الجديد في الصباح وانا احمل على وجهي اثار اربعة ليالي من السهر المتواصل وعدم الطعام وجاءت النتيجة المتوقعة بان سقطت مغشيا علي قرب موعد انتهاء العمل *********************** استيقظت من نومي لأجد نفسي ممددة على سرير يبدو كأسرة المرضى في غرفة لا اعرفها مسبقا فانزعجت بشدة خاصة عندما وجدت شابا انيقا يجلس الى مكتب قبالة السرير فقمت مسرعة لاسقط من جديد لكن هذه المرة افقت سريعا لاسال في عدوانية : انا فين وايه اللي جابني هنا وانت مين؟ ابتسم الشاب مشفقا علي وقال في هدوء : انت يا ستي في عيادة الشركة اللي بتشتغلي فيها ، جابوكي هنا لما اغمى عليكي وانا طبعا دكتور الشركة . لمحت الساعة المعلقة فوق الحائط فوجدت الساعة تشير للتاسعة مساءا ، فقلت في حدة : انتوا ازاي تسيبوني مرمية كدة لحد دلوقتي ويا ترى اهلي عارفين ولا لأ؟ وقتها دخلت علينا الممرضة التي تهللت اساريرها بمجرد رؤيتي واقفة امام مكتب الطبيب وقالت في فرحة : حمد لله على السلامة يا بشمهندسة ده انت كنتي جعانة نوم واكل . لحظتها تحسست يدي لاجد موضع كنيولا يبدو كأنهم قد علقوا لي محاليل او ما شابه ذلك. طلب مني الطبيب ان اهدأ وان اجلس وخرج هو وترك الممرضة معي لتقص علي قصة اغمائي ونقلي للعيادة وحالتي الصعبة التي مررت بها وكيف ان الطبيب قرر البقاء بجانبي وطلب منها البقاء معي حتى افيق وكان يجلس في حجرة مجاورة لنا ويأتي ليطمئن علي بين الحين والاخر. سألتها باستغراب:ليه ما اتصلتوش بالبيت ييجوا ياخدوني او يودوني مستشفى. قالت بطيبة بالغة : يا بنتي انت لسة اول يوم ليكي هنا وتقريبا محدش يعرفك وكل حاجتك كانت في مكتبك مقفول عليها وملقيناش المفتاح وورقك لسة موصلش ادارة العاملين قام دكتور شهاب ربنا يحميه قرر يتحمل المسئولية ويرعاك لحد ما تفوقي. اطرقت من خجلي من الموقف وقمت ابحث عنه لاعتذر عن اسلوبي الفظ لكنه كان قد غادر المكان. *********************** ذهبت للمنزل لاجد والداي في انتظاري وسحابات القلق والغضب تغيمان على وجهيهما وبادرني والدي بالسؤال في عصبية شديدة: كنت فين ياهانم لحد دلوقت؟ ما لسة بدري ؟ ده انا كنت لسه هدور عليكي في الاقسام والمستشفيات ! وبعدين الموبايل اللي معاكي ده مبترديش عليه ليه؟ فقصصت عليهم في ادب شديد ما حدث بالتفصيل فاحتضنتني والدتي في حنان وقالت في لهجة اقرب للبكاء: يا عيني عليكي يا بنتي ... انت اكيد محسودة بقى كل ده يحصلك وانت لوحدك. بس انت لازم تشكري الدكتور ده زمانه ساب مراته وعياله عشان ياخد باله منك. ثم قالت في حنان : روحي غيري هدومك وانا هحضرلك الكل زمانك واقعة من الجوع . فذهبت في استسلام وهما يتابعاني باعينهم في حنان شديد وقلق بالغ. ********************** وعلى العشاء قال لي والدي بانه لابد لي من الذهاب الى طبيب ليفحصني ويعطيني العلاج المناسب ووعدته بالذهاب الى احد الاطباء في الغد . ذهبت الى النوم وامي تصحبني ونمت بالفعل على صدرها كما كنت افعل وانا طفلة صغيرة . وفي الصباح ذهبت للعمل وانا انوي الاعتذار للطبيب عن هذا الاسلوب في الحديث بالامس فلم اجده وعلمت من الممرضة انه لاياتي الي الشركة الا ثلاثة ايام فقط اسبوعيا اي انه لن يأتي قبل بداية الاسبوع القادم . ومرت الايام وعند بداية الاسبوع ذهبت للطبيب بالشركة واعتذرت له وقبل اعتذاري بكل ادب وقال انه يقدر ما امر به من معاناه واجهاد عصبي وتمنى لي ان يفرج الله كربي قريبا . وبالفعل بدأت حالتي تتحسن تدريجيا وفي خلال شهر تقريبا كان طبيبي النفسي قد اخبرني اني لم اعد بحاجة للادوية وتحسن ادائي في العمل كثيرا حتى ان مدراءي اشادوا كثيرا بكفائتي واتقاني لعملي اعجبوا كثيرا بالتصميمات التي اقدمها لهم . وبدات مشكلتي تندثر تحت اطنان من الجليد لكنها ما تزال تؤلمني كسكين مغروز في قلبي لكنني كنت اتلاشى التفكير فيها بالانغماس في العمل قدر ما استطيع . وفي احد الايام وانا جالسة ليلا مع والدي سمعنا جرس الباب فقمت لارى من الطارق فوجدته بالباب.......... وجدت طبيب الشركة ماثلا امامي في قمة الشياكة وقال لي في لباقة وفي فمه ابتسامة واسعة : السلام عليكم .. ياترى اقدر اقايل المهندسة شذى لو سمحت ؟ فسمحت له بالدخول وانا امسك لساني عن نطق السؤال الذي يعتمل في صدري ( انت ايه اللي جابك هنا؟) وسألته في ارتباك عن ما استطيع تقديمه له من المشروبات فطلب قهوة. ذهبت لاعداد القهوة في حين دخل اليه والدي في الصالون ليجالسه ودخلت اليهما والدتي لتحيته وشكره على ما فعل معي سابقا وخرجت سريعا وفي عينيها نظرات لا افهمها وكان كل ما يدور بداخلي هو خوفي من ان يخبر الطبيب والدي ببعض ما سمع مني اثناء الغيبوبة حتى ان القهوة التي كنت اعدها سكبت على البوتوجاز واضطررت لاعداد غيرها . ودخلت لتقديم القهوة للطبيب لاجد والدي مبتسما وطلب مني الجلوس بجانبه ، فجلست ليخبرني بان الطبيب جاء ليطلب بدي منه وان والدي قد اخبره بأنه لا مانع لديه لكنه في حاجة الى مهلة ليسأل عنه وليسألني عن رأيي. عندها شعرت بأن دمائي كلها قد تجمعت في وجهي وانطلقت مسرعة الى غرفتي دون ان انطق بكلمة. وجاء الي والدي بعد ان ودع الطبيب وجلس الى جانبي في غرفتي وقال ووجهه متبسم نوعا ما: مقولتيليش ايه رأيك بقى في شهاب؟ فأجبت في سذاجة : شهاب مين؟ ثم تنبهت الى ان والدي يسألني عن الطبيب فأخبرته بأن شهاب شاب محترم ومهذب ويبدو عليه التدين وان الممرضة التي كانت تعمل معه اخبرتني اته شاب ممتاز بكل معنى الكلمة . فابتسم والدي وقال : افهم من كده انك موافقة عليه ؟ فاطرقت فضحك هو عاليا وقال : ألف مبروك يا بنتي انا قلبي انفتح لشهاب ده من اول ما شوفته . وتمت خطبتي لشهاب بعد حوالي اسبوعين ولم اكن اتخيل ابدا باني سأعيش كل هذه السعادة واني سأحب كل هذا الحب وادركت بان ما مررت به من قبل لم يكن حبا بل كان تجربة لا اعرف لها اسما لكنها تجربة فاشلة وانتهت بفضل الله علي .