الجمعة، ديسمبر ٠٧، ٢٠٠٧

أجمل من الخيال

كأنه حلم .... كأنه خيال أبعد ما يكون عن الحقيقة ...... هذا ما لم اكن أتوقعه إطلاقا .. أراه ... أبتسم له ... أحييه ويحييني ..... يسألني عن أخباري وأحدثه بكل ما يدور في حياتي ..... وأسأله عن حياته ويحكي لي وكأنه خلق ليحكي ... كانت عيناه تبتسم وتضحك وتقهقه وتحتضنني فتبكي .. وأبكي معها بكل خلية في جسدي ... أرجوك لا تبكي فبكاؤك هو ما لا أستطيع تحمله ، هكذا صرخت عيناي عندما ترقرقت الدموع في عينيه وسالت على وجنتيه تتحثث طريقها الى شفتيه الممتلئتين وذقنه الحليق ، عندما بدأ الحديث عن فراقنا وفترة بعدنا الطويلة التي لم يقطعها سوى هذة الصدفة الجميلة .... ****************** كنت قد حاولت ان انساه من زمن وقد أقنعت نفسي بأن الحب سيمحوه البعد وأن الإحساس الجميل يقتله الفراق والجفاء .... وقد اتخذنا قرارنا بموجب حكم عقلينا الصغيرين بأن البعد والفراق هو الحل لمشكلتنا .... لحبنا الذي لا يمكن ان يستمر والذي حكم عله بالوفاة قبل ان يولد .... وكان ذلك بداية الأحزان بعد الكثير والكثير من السعادة والتحليق في جو اللامعقول واللامستحيل واللانهاية ..... كان من الممكن ان نحقق كل ما نريده وقلوبنا ملئى بالأمل والثقة بأن الحياة ستمنحنا الكثير في المستقبل ، وأنها لن تبخل علينا بأبسط الأحلام – في نظرنا – بأن نحيا سويا في المستقبل وإلى الأيد كما عشنا دائما سويا . يا الله .... كان ذلك من زمن بعيد ... عشر سنوات كاملة .. عشر سنوات مرت على فراقنا !!!! خلتني قد نسيت ذلك تماما لكن ذلك لم يكن حقيقيا ... ما إن رأيته ، حتى عدت بالزمن عشر سنوات وتذكرتني وأنا أسير بجواره وهو عائدا بي من مدرستي الى المنزل ، وتذكرتنا ونحن ننطلق ونملأ الدنيا بالمرح ةالضحكات البريئة . كنا نحسب وقتها أن الدنيا كلها تضحك معنا !!! في حين انها كانت تضحك علينا وتخدعنا . تذكرت كم السعادة التي كنت أشعر بها وأنا بجواره ونحن نلعب ونجري ونتناقش في مستقبلنا معا .. لا لم أتذكر فحسب بل شعرت بكل ذلك بالفعل ، كأنني عدت ابنة السابعة عشرة وعاد هو معي للعشرين من عمره وعشنا حبنا الأول والأخير ، كما تذكرت لم افترقنا وكيف كان ذلك ؟ تذكرته حين جاء الي قائلا بصوته الحنون المتدفق : إيه رأيك يا ربى آجي اخطبك رسمي من باباكي ؟ عندها قلت له في دلال وفي صوتي نبرة ضاحكة وانا استدير بوجهي عنه وأحرك يدي في صورة الرفض : انت بتسألني في ايه يا ابني ، طبعا مش موافقة ! عندها ادار وجهي اليه ونظر الى عيني مباشرة وقال بنفس الحنان : بس عنيكي بتقول غير كده وأنا بصدق عنيكي أكتر . فضحكت وضحك واتفقنا على ان يزورنا هو وعائلته في اليوم التالي .. ****************** نمت أحلم بهذا اليوم وكيف سيكون ، لكن خيالي المحدود أو تفاؤلي الشديد لم يكن ليصل ابدا لما حدث في ذلك اليوم ... جاء الي وحده وانتظرني خلف المنزل كما كان معتادا في لقائاتنا السريعة وعندما قابلته اخبرني بأن والده قد توفي اثناء احتداده عليه عندما فاتحه في موضوعنا وأخذ يبكي كما لم يبك من قبل في حياته ... وبكيت معه وبكيت عليه وعلينا .... فبذلك قد كتب على حبنا الوفاة. ابتعدنا قليلا وقتها بحكم الظروف ، لكن سرعان ما عدنا إلى سابق عهدنا وقد اتفقنا على ان نؤجل الحديث في الخطوية والزواج بحجة اننا مازلنا ضغيرين في السن وقد يكون في الإنتظار خيرا لنا ... ثم جاءت الأشهر الحاسمة في قصتنا معا عندما صممت والدة محمد أن يبتعد عني وألا يراني نهائيا وان يزيل كل أثر لي في ذاكرته وأنه لابد له من السفر الى طنطا بعد تخرجه في كلية التجارة ليدير مزارعهم التي استولى عمه على ادارتها بالكامل بعد وفاة والده الذي كان هو سببا في وفاته كما ترى هي وذلك يتضمن أيضا خطبة ابنة عمه هذا كي يسمح له بان يراقب ويراجع ويعرف الحسابات الخاصة بالمزارع . قال لي وقتها بأن الحكمة تتطلب منا أن نرضخ للظروف قليلا وأن نطيع أوامر والدته حتي يتمكن من ادراة تلك المزارع اللعينه ويعرف حقوقه فيها ووقتها لن يستطيع احد أن يرغمه على شيء لا يريده ولن ينجح أحد في التفريق بيننا مجددا . هكذا قال وهكذا وعد ... لكن الحياة كانت تخفي ما هو أسوأ ، فعمه بحكم صلة الصداقة الوثيقة بين العائلتين كان يعلم قصتنا كاملة ويعلم أن محمد قد يفكر بمثل هذه الطريقة فصمم على ان تكون تلك الخطبة عقد قران بل وزفاف ايضا ! ****************** تزوج محمد وهو لايزال في العشرين من عمره وزوجته لا تتعدى السادسة عشرة !!! تزوج وتركني وحدي أواجه مصيري .. أواجه الدنيا بأكملها وحدي خاصة بعد رحيل والدي عن دنيانا في أقل من شهر من فراقي انا ومحمد وبذلك فقدت أغلى مخلوقين لي على وجه هذة الأرض وأصبحت حياتي بعدها لا تطاق.. لا أنكر أن محمد وقتها حاول ان يكون بجانبي لكنني شعرت وكأن حبنا سيتحول الى سرقة وخداع فطلبت منه الإبتعاد وأصررت على ذلك ولم أجد في هذه الفترة مايعينني على الصبر سوى القرآن والصلاة والتعلقبحب الله سبحانه وتعالى وقد يكون ذلك هو ما أبقاني حية حتى الآن ، ولأمي كل الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في وصولي لهذا الطريق ومساعدتي على الخروج من هذه الأزمات . ******************* ومرت السنون وتخرجت في كلية الصيدلة وها أنا الآن أعمل في احدى أكبر شركات الأدوية في العالم واذهب رغما عني لحضور غداء عمل في النادي لنلتقي صدفة بعد كل تلك السنوات من البعد لنجدنا وكأننا لم نفترق أبدا بالرغم من أن الزمان لم يجد علينا بلقاء أو خبر عن أحدنا الآخر طوال هذه المده . مرت كل تلك الذكريات والأحاسيس أمامي وهو يقول لي كيف حالك ؟ فقط كلمتان كانتا تحملان من الحب والشوق والحنين إلى ماضينا أكثر مما يوجد في محيطات العالم من مياه . فقط كلمتان هما كل ما جادت به شفتاه لكن عيناه قالت الكثير والكثير من الكلمات والقصائد والأشعار هذا ما جعلني أتساءل هل تحرك خبي في داخله كما هاج بحر حبه في داخلي ؟؟ أجبت سؤاله بصوت حائر وكأنه يأتي من عالم آخر : الحمد لله كويسة ثم لمحت معهطفلة لم اكن أدركت وجودها من قبل ويبدو أنها في قرابة الثامنه من العمر ، فسألته عنها .. قال انها ابنة أخيه وأنه جاء بها الى النادي بعد ان ألحت عليه في ذلك . فسألته عن أولاده وزوجته فأطرق قليلا ثم أخبرني بأنه لم ينجب من زوجته رحمها الله أية أولاد فصدمني ما قال ماتت زوجتك ؟؟ هكذا سألت في فزع ودهشة شديدين فأخبرني بأن ذلك كان منذ أكثر من عام بعد صراع طويل مع السرطان ، فأطرقت بدوري ولم أجد سوى لاحول ولاقوة إلا بالله لأعزيه بها . حاول ان يغير مجرى الحديث فسألني عن أحوالي ، أخبرته عن عملي وعن عودتي للعيش في منزلنا القديم مع والدتي نظرا لظروف عملي بالقرب منه وبأن والدتي تعيش معي بصحة جيدة ولله الحمد وغير ذلك من الامور العادية . فسأل مستفسرا عن زوج وأولاد وما إلى ذلك ، فمددت له يدي الخاليتين من أي خاتم زواج أو خطبه فتعجب قائلا : معقول ما اتجوزتيش لحد دلوقت ؟ فأجبته بأنني لم ألتق بالإنسان المناسب ليكمل معي الفترة الباقية من عمري فأمسك بيدي وهو يعتدل في وقفته ليصبح في مواجهتي تماما وقال : ربى تتجوزيني ؟ بس إوعي تقولي زي زمان انك مش موافقة ! ففرت نقطة من بحر دموعي لتسلك طريقها على وجنتي ليمسحها هو وهو يقول بصوته الحنون : يمكن زمان مقدرناش نحقق حلمنا وفرقت بينا السنين بس خلاص دلوقتي مفيش أي حاجة تمنع إننا نبقى مع بعض .. ولا إيه؟ ثم سكت هنية وأنا مازلت صامته مذهوله مما يحدث فقال : إوعي تفتكري ان نسيتك ولو للحظة انا طول السنين اللي فاتت دي مكنش في غيرك في قلبي ومقدرتش اني افكر في غيرك إطلاقا . ثم ابتسم وهو يقول في مرح طفولي : هو انتوا عندكوا قهوة في البيت ولا لأ ؟ اصل أنا بقيت مدمن قهوة ، واتسعت ابتسامته كثيرا وهو يقول : ويا ترى نلاقي الحاجة صاحية دلوقتي ؟ يللا بينا نروح ناخد رأيها .. ثم غمز بعينه وهو يقول بس أنا متأكد إنها هتوافق .. مهو مش معقول نتقابل بعد السنين دي كلها عشان نفترق تاني .. وأخذني من يدي وهو يخطو سريعا نحو بوابة النادي وينادي على ابنة أخيه ربى أيضا ( أخبرني بعد ذلك أنه كان وراء تسميتها ليظل ينطق بإسمي دائما ) فتوقفت فجأة وسحبت يدي من يده فإستدار الي متعجبا ومستفسرا فضحكت وأخبرته بأن على الاستئذان من رئيسي في العمل قبل الإنصراف . فتنهد وطلب مني الإسراع في ذلك. وذهبنا إلى المنزل لنبدأ حياة جديدة قديمة ... لنكمل ما بدأناه منذ عشر سنوات كاملة بالرغم من شعورنا بأن تلك السنوات لم تمر وبأن الزمن قد توقف بنا عندما جائني يطلب مني الزواج بهقبل عشر سنوات من الآن . ******************