الجمعة، أغسطس ٢٩، ٢٠٠٨

لست نادمة...

لم اكن أتصور أبدا أن تكون هذه هي نتيجة نضالي وكفاحي لتحقيق حلمي وأملي في الحياة .. وتنفيذ ما أسميه مبادئي ومعتقداتي على أرض الواقع وليس فقط قراءتها وقولها كمجرد كلام بيني وبين زملائي . كنت دائما ما أتحدث عن الإستقلالية وأهميتها وكيف أنها تأتي فقط بمواجهة الحياة مواجهة حقيقية ورؤية الدنيا بعين الواقع عن طريق الإحتكاك بها مباشرة وليس من خلف أسوار وجدران تحجب الرؤية والتفاعل ... وكنت أرىأن هذا المكان الذي أحيا به والذي يراه الأخرون جنة ونعيم خارجها الجحيم الحقيقي ، دائما ما كنت أراه وأتخيله سجنا كبيرا يحطم كل آمالي وطموحاتي .... لم أكن أبدا راضية عن الحياة التي أحياها في حين كانوا يرونها الجنة التي لا ينقصها شيء وكانوا أيضا يحسدونني على ما أنا فيه فأنا اعمل أعمالا بسيطة وأجد طعامي وشرابي دون أن أرهق نفسي في البحث عنهم في حين يفنى غيري في سبيل إحضار هذا الطعام والشراب الذي لا أقدر قيمته ومدى المجهود المبذول للحصول عليه ....... كنت أرى هذا المكان قبرا لي وأرى الحياة في خروجي منه ومواجهة الحياة بنفسي ولم يكن أحدا ممن حولي يوافقني الرأي حتى من خرج منه لطبيعة عمله حاول إثنائي عن رغبتي بأن قص علي الأهوال التي واجهها في الخارج بالإضافة للكثيرين والكثيرين ممن إفتقدهم في حوادث مروعة محاولا اقناعي أن ما أحياه هو أكبر النعم على الإطلاق وأن مجرد التفكير في الخروج من هذا العالم إلى عالم آخر لاأعرف عنه سوى بعض القصص والأساطير هو الجنون والحمق بعينهما .... لكن ليس من السهل على أي منا أن يغير أفكاره ومعتقداته التي يؤمن بها بهذه البساطة .... لذلك لم أستمع لنصيحة أحد وقررت الخروج سرا ولم أكن أعلم إن كنت سأعود مرة أخرى أم لا ؟؟ وكنت أعلم ان الحياة في الخارج لن تكون هينه سهلة لكني كنت أؤمن بأنها مهما كنت صعوبتها وعسرها ستكون أسعد حالا وأقل ضجرا ومللا مما أحياه الآن .... تسللت ليلا لأنفذ قراري وغافلت حراس الطريق المؤدي إلى المخرج الوحيد الذي أعرفه لهذا الجحر الخانق معتمدة في ذلك أساسا على صغر حجمي كنملة من خادمات الملكة وقدرتي على التمويه ... ولا أكذبكم القول حين أقول ان شعوري بالمغامرة قد طغى على معاناتي الكبيرة في هذا الطريق وبالرغم من أن هذه الأهوال والمعاناة كادت تثنيني عن إكمال رحلتي إلا أن هذا الشعور وعزمي على الإكمال ساعداني على تخطي هذه المصاعب ، ولا استطيع أن أصف مقدار السعادة والنشوة التي شعرت بها حين وصلت لبوابة البداية ورأيت الشق الذي نتخذه مدخلا لجحرنا ورأيت نورا ساطعا ومبهرا قادما من الخارج ولشد ما كانت سعادتي حينما عبرت هذا المخرج إلى الحياة الخارجية ، كاد الضوء المبهر في الخارج أن يعميني لكنني اكملت طريقي وتابعت محاولاتي لتمييز الأشياء معتمدة في ذلك على قراءاتي الكثيرة عن العالم الخارجي أثناء وجودي في الجحر وأنا أكاد أرقص فرحا بما وصلت إليه . وجدتني اسير على أرض ملساء تماما تحولت إلى شيْ ما كتير جدا مستطيل الشكل عميق جدا وملمسه أكثر نعومه من الأرض أو الجدار الذي كنت أسير عليه من قبل وفي أحد جوانبه توجد بعض الأشياء المصنوعة من مادة مختلفة أعتقد أنها نوع من المعادن لكنها تلمع بلون أزرق جميل ...غندما رايت هذا اللون تذكرت السماء فنظرت لأعلى لأراها فلم أجدها زرقاء بل بيضاء تماما فتخيلت انها احد امرين ، أولهما ان ما كانوا يروونه لنا ويخبرونا به في الجحر غير صحيح لكني سرعان ما استنكرت هذا الإحتمال لأن قراءاتي كانت تؤكد أن السماء زرقاء . أما ثانيهما فهو أني موجودة في مكان مغلق لا يرى السماء وكان هذا الأقرب إلى عقلي . وبرغم حزني من عدم رؤيتي للسماء إلا أن هذا لم يؤثر كثيرا على متابعتي لما حولي والنظر بتمعن لما أراه من الأشياء ومتابعة الحركة حتى توصلت لبحيرة من الماء ...... نعم بحيرة ضخمة من الماء بالقرب من مجموعة من الحفر العميقة الضخمة أيضا ..... أخذت اتجول حول البحيرة والعب بمائها واتذوقه أحيانا في حذر وأخذت سعادتي تزيد حين وجدت شيئا ما لآكله فقد كنت قد بدأت أشعر بالجوع والتعب وفجأة ظهر المخلوق الضخم الذي طالما سمعت عن عداوته لنا نحن معشر النمل شعرت بالخطر والخوف وإبتعدت عن طريقه قدر الإمكان فهو طويل جدا يمشي كالجبل المتحرك علي رجلين فقط! ويصدر أصواتا غريبة ... يفوق النمل في الحجم آلاف بل ملايين المرات لماذا إذن يتخذنا عدوا له ؟؟!!!! أدركت أنه يجب علي الإختباء قليلا حتى يرحل من حيث اتى ثم أتابع بحثي ولعبي فأسرعت إلى أحد الجوانب في هذا المكان الأملس وسكنت دون حراك لم أكن اعلم في هذا الوقت انهم ادركوا اختفائي وأعلنوا حالة الطوارئ للبحث عني والتحقيق في امر إختفائي المفاجئ هذا .... وانهم قد قرروا عدم ارسال من يبحث عني خارج الجحر بعد طول بحث ومداولة بالإضافة إلى تشديد الحراسة على المدخل لئلا تتكرر المشكله وحتى يتمكنوا من القبض علي بمجرد عودتي إلى الجحر ..... لكن صديقي الجندي لم يستطع تنفيذ هذا الأمر وخرج متسللا هو الأخر لكن للبحث عني وإرجاعي دون أن يخبرني بأمر العقاب الذي ينتظرني .... انتظرت طويلا حتى يعود هذا الإنسان من حيث أتى لكنه ظل ومللت أنا إنتظار عودته فقررت التحرك والعودة الى متابعة ما قطعه دخول هذا المخلوق إلى المكان معتمدة في ذلك على صغر حجمي الشديد بالنسبة له معتبرة ذلك كافيا لئلا يراني ... فإتخذت طريقي ناحية البحيرة والحفر العميقة لأرى إن كنت أستطيع التوصل إلى اين تؤدي هذه الحفر وفجأة وجدت الضوء يخفت وسمعت صوتا غريبا يصدر من الإنسان يقول : تعالي هنا يا حلوة هتروحي مني فين . نظرت فوقي لأجد ظلا كبيرا وكأنه إصبعا باللون اللأسود أو لون الطين يقترب مني بسرعة فحاولت الإبتعاد عنه والإختباء لكن محاولاتي باءت بالفشل وسقط هذا الشيء علي ليسحقني سحقا ثم يبتعد وهو يضحك في نشوة عجيبة.. وفي ظل هذة الإصاية لم أستطع التحرك من مكاني وفقدت وعيي على ما عتقد حيث أني افقت لأجدني راقدة فوق احد السرة بمشفانا وحولي بعض الأصدقاء علمت منهم بعد السلامات والتمنيات بالشفاء العاجل أن صديقي الجندي وجدني ملقاه ومصابه إصابات بالغة فحملني معه إلى الجحر لتوفير الرعاية الطبية اللازمة وقال لي صديقي انه حمد الله على انه وجدني في الوقت المناسب كما قال الطبيب المختص وإستطاعوا تضميد جروحي وتجبير الكسور الكثيرة في جسمي جراء الإصابة كما اخبرني أيضا بأن الملكة عندما رأت حالتي قررت العفو عني وعدم معاقبتي معتبرة ان ما حدث لي هو العقاب المناسب . وبالرغم من أني أكتب الآن من فراش المرض إلا أني لست نادمة على مافعلت ولو خيرت على العودة لعدت .....

ليست هناك تعليقات: