الجمعة، يناير ٢٦، ٢٠٠٧

كلنا ديكتاتور

تعالت في الآونة الأخيرة الصيحات المنادية بالديموقراطية و الإصلاح والعدل والمساواة و غيرها من مبادئ الحكم السليم لأي دولة ؛ وكنت ومازلت مقتنعة جدا ومؤيدة لهؤلاء الذين بحت أصواتهم من المطالبة بهذه المطالب . وبرغم معرفة كل العرب والمصريين الجيدة أن التغيير لن يكون إلا في حالة واحدة (ربنا يقرب هذه الساعة-قولوا آمين ) إلا أننا لن نمل من المطالبة بهذا الحلم المفقود الأمل فيه طالما بقى الحال على ما هو عليه ، وربنا يستر و ميحصلش اللي كلنا متوقعينه لأحسن حلمنا عمره ما هيتحقق إلا بانقلاب أو ثورة جديدة –بس تكون ثورة شعبية مش ثورة جيش- لكن في لحظة ما وأثناء مناقشة ساخنة بيني ووالدي في احد الأمور تجلت لي هذه الحقيقة بوضوح شديد ، و هي أن بداخل كل منا ديكتاتور صغير ما إن يتمكن من أمر من الأمور إلا ويفرض سيطرته ويحاول بشتى الطرق توسيع نفوذه ليصل إلى أعلى مكانة متاحة له. ودليلا على كلامي فلينظر الأب في بيته إلى طريقته في التعامل مع أبنائه حتى لو كانوا كبارا بالغين عاقلين وحتى لو كانت قراراته بشأن أمور تخص حياتهم ومستقبلهم. أكاد اجزم بان 75% من الآباء يتعاملون مع أبنائهم بمنطق الوصاية المطلقة وأنهم هم فقط من حقهم اتخاذ القرار و أن الأبناء ليس لهم الحق حتى في مناقشة القرار و لو كانت هذه المناقشة لا تغير من الأمر في شيء ، ومما يزيدني غيظا أن هذه القرارات ولو بدت غير منطقية للأبناء تكون غير مسببة إلا بسب وحيد وهو أن هذه هي رغبة الوالد. ولنظر المدير لطريقة العمل في إدارته ، و الوزير في وزارته والطريقة التي يتعامل بها المسئول مع الموظفين الأقل منه في الدرجة الوظيفية سينطبق كلامي تماما في كل هذه الحالات وخاصة في إطار المنافسة بين الموظفين النشيطين ليحصل كل منهم على الدرجة الأعلى والسلطة الأعلى. نحن فعلا يا سادة مجتمعات طاعة وليس هناك مجال للديمقراطية في ظل هذه القواعد والأحكام والأعراف. أنا هنا لا أنادي أبدا بإعلان العصيان ورفض التقاليد و الأعراف التي تحتم علينا طاعة الوالدين و برهم حتى لو طلبوا منا الكفر بالله فلنرفض طلبهم ونعاملهم معاملة حسنة، لكني اطلب ممن يطالبون بالديمقراطية ودعاة التغيير أن يبدؤوا بأنفسهم ويحالوا تطبيق هذه الديمقراطية في بيوتهم ، فلنربي أطفالنا على هذه المبادئ والأفكار عمليا و ليس نظريا فقط وان نرسي قواعد الديمقراطية في نفوسهم منذ الصغر . اعلم أن هذه الطريقة ستكلفنا سنوات عديدة - هذا لو تم تطبيقها أصلا – فليكن ؛ لنعمل بالطريقتين معا لنطالب قدر ما نستطيع ولنربي أبنائنا على مبادئ الديمقراطية أيضا في هذه الحالة سيستطيع هؤلاء الأبناء التعامل مع التغيير بانسيابية وتقبل . فليحاول كل مسئول منا على قدر مسئوليته تطبيق الديمقراطية في نطاق هذه المسئولية وان يربي نفسه عليها سواء في عمله أو منزله على من هم اقل منه في المنصب أو الوظيفة ومع أبنائه في بيته ، حينها سندرك حقا انه من ضرورات الديمقراطية بل أهم ضرورات الديمقراطية على الإطلاق هو تقليص السلطات المتاحة ل أي مسئول وردع هذا المسئول بعقاب شديد ومناسب متى ثبت عليه بالدليل القاطع التلاعب بأي صورة من الصور واستغلال نفوذه وسلطاته بشكل خاطئ . فما المانع –مثلا- من مثول رئيس الجمهورية أمام القضاء للمحاكمة أثناء فترة رئاسته؟؟؟ أليس بشرا يخطئ ويصيب ؟! وقد لا يستطيع هذا الرئيس قهر الديكتاتور المتنامي بداخله بحسب سلطاته ، إذن لابد لنا من مساعدته على قهره بتحديد هذه السلطات وتحجيمها لكن هذا لن يحدث إلا إذا قهر كل منا ديكتاتوره الصغير بداخله وربى نفسه على مبادئ الشورى والديمقراطية و أدب الحوار ‼.

ليست هناك تعليقات: