الجمعة، فبراير ٠٢، ٢٠٠٧

دموع الندى

قالت ودموعها تكاد تغرق وجهها الصافي الجميل: أنت عارف أنا استنيتك قد إيه ؟ عارف قد إيه حلمت بيك؟ حلمت بكل حاجة فيك، حلمت بشكلك.. بطولك..بلون عينيك.. بطريقة كلامك.. بشخصيتك القوية.. بكل حاجة عنك حلمت بيها قبل ما أشوفك أو حتى أعرفك. حلمت حتى باللحظة اللي هقولك فيها إني حلمت بيك... باللحظة اللي هقولك فيها إني دايما كنت عارفة انك موجود واني هقابلك و هتحبني واحبك ، كنت متأكدة من كده ثم أطرقت قليلا وأخذت تجفف دموعها وقالت: ليه دلوقتي عايز تهد الحلم اللي حلمت بيه طول عمري ؟ ليه عايز تسبني وإحنا ... وإحنا اللي كل الناس مبتعرفش توصف حبنا لبعض ولا قد إيه فاهمين بعض ولايقيين على بعض . حاولت حينها أن أقول شيئا ما ففتحت فمي لكني لم استطع أن انطق ولم أجد كلاما أقوله. بماذا اخبرها؟ أأخبرها بأني رجل عقيم وأنها إذا أكملت حياتها معي لن ترزق بالأطفال التي طالما حلمنا بهم معا وأخذنا نرسم مستقبلنا ومستقبلهم معنا؟ أأخبرها بأنها أفضل مني وأنها إن أكملت معي الطريق ستضحي بأمومتها ؟ أم أخبرها بأني لازلت أحبها ولن أستطيع أبدا فراقها وأن حياتي دونها ليس لها معنى ؟ وأخيرا استجمعت شجاعتي وحسمت أمري وبدأت هممت بتنفيذ قراري المسبق بأن اخبرها أني كنت أخدعها طوال هذه الفترة وأني أقنعتها بحبي لها وذهبت لخطبتها فقط لأستطع التقرب منها وأني لم أكن جادا في هذه العلاقة على الإطلاق . لكنها استوقفتني ولم تسمح لي بالحديث ، وقالت بصوتها الرقيق المختنق من البكاء : من فضلك يا أحمد وصلني البيت دلوقتي و متنطقش بكلمة واحدة أنا خلاص مش قادرة أسمع صوتك. ************************* خرجنا سويا من الكافيتريا التي كنا بها والتي كنا قد تعودنا ان نلتقي فيها منذ ان تعرفنا وكان المساء قد حل وكأن السواد القاتم بداخلنا قد تسرب منا ليحتل السماء بالكامل كانت الساعة قد بلغت التاسعة مساءا . سرنا بجوار بعضنا البعض وهي تكتم دموعها وأنا أكاد أنفطر من البكاء وأركع أمامها قائلا: سامحيني أرجوكي ... أرجوكي اقلعي عن البكاء فدموعك تمزق قلبي ... ارحميني لكنني تماسكت بأعجوبة ولم تطل هذه الأحاسيس من عيني حتى فظل وجهي بارد الملامح كالثلج حتى وصلنا إلى مكان السيارة ، وركبنا سويا أنا أقود وهي في الكرسي المجاور لي. ظلت صامتة وقد أسبلت جفونها كي لا تراني لكن دموعها كانت تفر من عينيها بين الحين و الآخر،وأنا أنظر إليها بين الحين و الآخر متوسلا فقد صرت لا أتحمل أن تفكر بأني خدعتها طوال هذه المدة وكدت أضعف واخبرها الحقيقة لكني بذلت مجهودا أكبر كي أتماسك حتى لا تدرك ندى ما يدور بداخلي. وفجأة فتحت عينيها وأنا أنظر إليها وكأنها أحست بي ، و في هذه اللحظة انهمرت دموعها على وجنتيها الحمراوين كما تنهمر السيول على الجبال الخضراء الشامخة. فمددت يدي مسرعا لأمسح هذه الدموع الغالية فالتقطت المنديل وأخذت أمسح دموعها بكل رقة وحنان ، وفجأة أظلمت بنا الدنيا . ************************* بدأت استرد وعيي رويدا رويدا فوجدت نفسي محاطا بالكثير من الأنابيب والأجهزة ووجدتني ممددا على سرير وأشعر بالعديد من الآلام ، يبدو أنني بمستشفى ما . ندى .... ندى ..... أنت فين؟..... سامحيني يا ندى هكذا نطق لساني بما يدور في قلبي قبل أن استطع حتى أن أفتح جفوني. وجدت الكثير من الأشخاص اللذين يرتدون الزى الأبيض يلتفون حول سريري ورأيت بعضهم يحمل ابتسامة على شفتيه وسمعت أحدهم يقول : حمد لله على السلامة يا أستاذ أحمد. كررت بصوتي الضعيف المنهك : أنت فين يا ندى ؟ وعاملة إيه؟ سامحيني يا حبيبتي أجابني أحدهم بأنها في غرفة مجاورة وأن حالتها مستقرة جدا. فقلت بنفس الصوت المنهك لكنه هذه المرة متحمس: عايز أشوفها فقال لي نفس الشخص والذي يبدو من هيئته انه كبير الأطباء: مش ممكن أنت حالتك مش مستقرة وهي ما ينفعش تيجي تشوفك ولا أنت ممكن تروح لها اصبر لما حالتك تتحسن شوية. فقلت بإصرار: لازم أشوفها لازم تعرف إني بحبها ومش ممكن هسيبها أبدا. فقال شخص أخر : هي أكيد عارفة أد إيه أنت بتحبها بس أنت لازم ترتاح دلوقت. حينها هممت بتقطيع بعض الأنابيب الداخلة إلى جسمي أو الخارجة منه، فأخذوا يهدئنني وأعطتني الممرضة حقنة ما حينما كان احدهم يقول : أنت لازم ترتاح عشان قلب ندى اللي إحنا نقلنا ليك محتاج فترة لحد ما جسمك يا خد عليه، ندى ماتت وأنت لازم تعيش أخذني النوم من نوبة بكاء شديدة وأنا أتحسس موضع قلبي الذي هو قلبها واضغط عليه بشدة وكأنني أحتضنها وأقول:ليه يا ندى ليه كنت قاسية أوي كده ؟ عشان قلت إني هبعد عنك تقومي تبعدي أنت عني وعن الدنيا كلها؟؟؟وحينما استيقظت كانت فترة طويلة قد مرت على غيابي عن الوعي قالوا أنني تصارعت كثيرا مع الموت حتى انتصرت عليه وظللت حيا لكنني أجبت بأن ندى هي من أصر على بقائي حيا برغم موتها وبرغم علمها بان الحياة لا قيمة لها عندي يدونها لكن حسبي من هذا كله أنني أحيا بقلبها وأشعر بها معي دائما فقد تركت لي الحياة بأكملها حتى لا أنساها أبدا كل ما أتمناه الآن أن تسامحني وأن الحق بها قريبا لأعتذر لها

هناك ٤ تعليقات:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...

جميلةجدا

osacula يقول...

ربنا يباركلك ويبارك فيكي يا دكتورة سمر.
الظاهر كلنا بقينا بنحب الشجن والحزن في الزمن الغريب ده.
قصتك بجد أثرت علي مشاعري بشدة وخلتني بجد عايز أبكي. بس عينيا رفضت تبكي - اللي عمل كدة حقيقي هو قلبي.
ساعات كتير يا دكتورة بحس إني عايز أخلي أي إنسان يعيش بأي قطعة من جسمي وأموت أنا مش مهم - المهم إني أحس إني أعمل حاجة مفيدة بجد لغيري طالما مش قادر أعملها لنفسي.
بس الحمد لله بجد -على الأقل أنا متبرع منتظم بالدم من سنة 1990 حتى تاريخه. كل 3 أو 4 شهور تقريباً.
بس بجد نفسي أعمل حاجة أكبر من التبرع بمجرد سائل أحمر مليان كريات بيضاء وحمراء وشوية هيموجلوبين وبلازما.

dr.simsima يقول...

اكيد اللي نفسه يساعد الناس بالشكل ده هيقدر يساعدهم وهتجيله الفرصة اللي يحقق فيها امله ده
ربنا يكرمك